dimanche 16 octobre 2011

مقدمة أولية لدراسة التحولا ت الإجتماعية والثقافية من خلال السينما المغربية : مقاربة سوسيولوجية - فريد بوجيدة



السنيما فرجة وصناعة، لكنها في نفس الوقت فن وثقافة. لقد أصبحت من أكثر الأدوات التعبيرية شعبية في العالم. فهي تعتمد على التقنية في أوج تطورها، وفي نفس الآن تحتاج إلى الكتابة الأدبية والفنية، كما تنهل من كل الثقافات. وككل أدوات التعبير تحمل السينما رسالة يكون المتلقي فيها   هو المشاهد. وفي هذا الإطار يمكن اعتبار السينما لغة عالمية تخترق جدار الثقافات وتتعالى عن الهويات المحلية بارتكازها على تقنيات السرد الفيلمي الذي  يحول الواقع إلى صور، والحاضر إلى ذاكرة بصرية، غير أننا يجب أن نعترف بأن هذه الثقافة لا تنهل فقط من التقنية، بل تغرف من المجتمع والثقافة أيضا. ولذلك تشكل تراثا لا محيد عنه لمعرفة التحولات الاجتماعية والثقافية والأخلاقية.
- لقد عرف المغرب السينما في بداية القرن العشرين، وارتبطت الأفلام الأولى التي صورت بالمغرب بمرحلة الاستعمار. ولقد لعبت الأشرطة المصورة في هذه الحقبة دورا كبيرا في التعريف بالمغرب وأحوال ساكنته، وشكلت وثيقة ضرورية لتأكيد بعض الأحكام الخاصة بحضور الاستعمار في هذه الفترة، حضورا خلخل البنيات التقليدية، وجعل الواقع المغربي يدخل تاريخا جديدا باستقباله قيما وأفكارا وتقاليد جديدة. غيرأن الصورة في حينها لم توضح الجرح الذي خلفه هذا الوافد الجديدلأنها كانت من إبداع الآخر .
- بعد الاستقلال بدأت بعض ملامح السينما الوطنية مع ظهور خطاب الوطنية، ورغبة امتلاك التاريخ الخاص سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة. لقد تم تدشين بعض الأعمال السينمائية عنوانها البارز هو البحث عن الخصوصية الاجتماعية والثقافية.
- في الستينات شكلت بعض المغامرات الفردية منحى جديدا تجلى في البحث عن أدوات تعبير جديدة تتجاوز المنحى الأثنوغرافي الاستعماري، والمنحى التعليمي الوطني، لتستفيد من إمكانيات الصورة وما تختزنه من عمق ،خاصة مع النجاح الذي حققته السينما في العالم.
- لقد شكل الانفتاح الذي عرفه المغرب في التسعينات انعطافه حقيقية في تعامل الصورة مع الواقع المغربي، وتحولا مهما في الثقافة الفنية.
 لقد عكست السينما بوضوح تلك الانعطافة، وذلك التحول مما جعل موضوعات مقبورة تعود إلى السطح لتأخذ مكانها داخل إطار "الصورة" وتعبر عن تحولات حقيقية على صعيد المجتمع والثقافة.
                  تحديد المشكلة:
السينما ممارسة ثقافية لا تختلف عن الممارسات الثقافية الأخرى في قدرتها على التعبير عن الإنسان وواقعه وتطلعاته، لكن ما يميزها هو ذلك التداخل بين مستويات التعبير الذي تتضمنه الصورة، والقدرة على الترحال بين مجالات ثقافية عدة، والتعبير عن التحول الاجتماعي والثقافي. إن العلاقة بين السينما والمجتمع والثقافة مسألة تتطلب استحضار الذاكرة البصرية كوثيقة أساسية لتحديد ملامح تطور المجتمع عبر الزمن. وفي هذا الصدد لابد من البحث عن الخصوصية الثقافية لهذا التطور. إن التحدي الحقيقي للصورة السينمائية يتجلى في مدى قدرتها على التعبير عن هذا التطور بالتوازي مع تحولات أخرى يعكسها الزمن. إن السينما نمط من الرؤية يعكس خصوصية محددة هي ما تمنحه الثقافة من أبعاد نفسية واجتماعية.
انطلاقا من هذه القناعة ننظر إلى السينما المغربية على امتداد خمسين سنة، كتراث ثقافي يؤثث المشهد العام للثقافة المغربية. فهي قد رصدت جوانب مهمة من الحياة الاجتماعية والثقافية. و تحديد مسار التحولات الاجتماعية والثقافية في المغرب خلال نصف قرن تقريبا.
ومما يحدد قيمة هذه الوثيقة هو انشغالها بتفاصيل قد لا يتنبه إليها دارس التاريخ والأثنوغرافيا. وهكذا يبدو العمل على استثمار هذه الوثائق (الأفلام) من الناحية السوسيولوجية ضرورة ملحة للوقوف على عملية انتقال القيم الثقافية انطلاقا من تحولات يشهدها المجتمع. فمغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم وهذا ما توضحه لنا الصورة من تفاصيل تسلط الضوء على أكثر الموضوعات خصوصية.
ما هي مظاهر هذه التحولات؟ وكيف عكستها الصورة السينمائية؟ وإلى أي مدى استطاع الفيلم المغربي أن يتعاطى مع خصوصية بعض القضايا الخاصة بالمغرب؟ وإلى حد ساهم القرار السياسي في تحريك الثقافي وربط المشهد السينمائي بالمشهد الاجتماعي؟
                   لاشك أن البحث في السينما المغربية اقتصر في السابق على جوانب معينة خاصة الجانب الفني والأدبي سواء على صعيد الموضوع، أو الأدوات التقنية. غير أن نظرة شاملة لهذا الحقل تبين غيابا تاما للبحوث الأكاديمية، والنزر القليل –على حد عملنا- اهتم أساسا بالعلاقة بين السينما والأدب من جهة( كلية الآداب بفاس) ، والسينما والفنون الأخرى من جهة ثانية. (كلية بنمسيك بالبيضاء )  
أما الكتابات النقدية في هذا المستوى فقد تراوحت بين المتابعة الصحفية،(كتابات الجرائد) أوالاهتمام الاحترافي الذي انصب أساسا على أحد جوانب العمل السينمائي (عمل الورشات).
يمكن أن نعتبر بأن هذا الموضوع لم يستقطب الكثير من الاهتمام النقدي غير المتابعات الموسمية. ويمكن أن نثتثني منها  أعمال مولاي إدريس الجعيدي : السينما في المغرب و السينما والمجتمع ، وتاريخ السينما في المغرب  . غير أن هذه الأبحاث اهتمت بالتأريخ للسينما في المغرب من خلال المعطيات والبيانات دون الإهتمام بالمقاربة السوسيولجية   .
 معطيات أساسية:
لقد اشتغل الخطاب السينمائي في المغرب على قضايا متعددة، وشكلت الحياة الاجتماعية هاجسا أساسيا لمختلف السينمائيين، غير أن الخلفية الأساسية لكل عمل إبداعي تكمن في القدرة على التميز الذي يجعل من هذا العمل فعلا ثقافيا. وفي هذا الإطار ساهم الكثير من السينمائيين في تتبع قضايا المجتمع المغربي (الهجرة القروية، التمدن، الجريمة، المرأة، الطفولة، التهميش الاجتماعي، الهجرة السرية، الاعتقال السياسي...) غير أن لكل مخرج لمسة خاصة يضيفها كفعل ثقافي، يحاول من خلاله أن يقف على بعض الاختلالات الخاصة بالمجتمع، وعلى تحديد بعض القيم التي تحدد سلوكات شريحة معينة من هذا المجتمع، ويسمح لنا هذا التقديم في وضع بعض الفرضيات الأساسية للموضوع: 
1- إن السينما كثقافة بصرية في الحقيقة ثقافات تشكل كل واحدة منها هوية محددة. والسينما المغربية لها هويتها الخاصة التي تتحدد في مدى اهتمامها بالمجال الاجتماعي (الزواج، الأسرة، المرأة، الطفولة، الشغل، التعليم، الصراع الاجتماعي....).
2- تعاملت السينما المغربية على مدى خمسين سنة مع كل القضايا الاجتماعية التي عاشها المغرب منذ الاستقلال إلى الآن (التمدن، الهجرة، التهميش الاجتماعي، المقاومة، البطالة، الطبقة العاملة، البيروقراطية، الهجرة السرية، أوضاع السجون، الحركة الطلابية، وضعية المرأة، المخدرات، الدعارة...).   
وهذا التفاعل شكل –ودون وعي الفاعل السينمائي أحيانا- وثيقة سوسيولوجية ضرورية للباحث في هذا المجال.
3- لم يهتم الخطاب السينمائي بعملية رصد الواقع الاجتماعي فقط بل تجاوز ذلك أحيانا إلى تسجيل ملامح انعطافات على مستوى القيم الثقافية (مثل الأفلام التي اهتمت بمدينة بالدار البيضاء) كما أن هذه الملامح حركت نقاشا مهما على مستوى النخب الثقافية (نقاد، باحثون، مفكرون، فقهاء....).
4- قوة حضور الخطاب الحداثي في قطاع السينما واستقطابه لمختلف الفاعلين في هذا المجال مع ما استتبع ذلك من سجال على مستوى التعاطي مع بعض الموضوعات " المحظورة"... وعادة ما تكون الأعمال السينمائية مجالا لاختبار مدى قابلية المجتمع لبعض الأفكارالجديدة.
تدفع الفرضيات السابقة إلى صياغة الإشكالية التي توجه هذا المداخلة: إلى أي حد استطاعت السينما المغربية أن تعكس التحولات الإجتماعية والثقافية في   المغرب ؟ وما مدى أهمية الخطاب السينمائي في التعاطي مع قضايا خاصة بالمغرب، وهل هذه الأهمية نابعة من عملية رصد الصورة لواقع اجتماعي يتطور باستمرار؟ وهل الصورة السينمائية –في المغرب- قد شكلت وثيقة سوسيولوجية تصلح لتنمية المجتمع وتطوير قيمه الثقافية  ؟
لا شك أن المنهج السوسيولوجي الذي يهتم بالظواهر التي تنبثق عن العلاقات بين المجموعات البشرية ، ودراسة علاقة الإنسان بالمحيط الإجتماعي خاصة العلاقات   الإجتماعية الأكثر تقدما ، هو المنهج الكفيل بالإجابة على الفرضيات السابقة . والمقاربة السوسيولوجية للصورة ستقربنا من التحولات الإجتماعية والثقافية التي عرفها المغرب خاصة خلال التسعيينات وما بعدها  ، وفي هذا الصدد يمكن التعاطي مع الصورة كوثيقة سوسيولوجية . إلا أننا سنحتاج كذلك للمقاربة الأنثروبولوجية  والأتنوغرافية في تناول بعض الظواهر الثقافية ووصف بعض السلوكات ..  

v         اقتراح أولي لمقاربة التيمات الإجتماعية والثقافية  في السينما المغربية   
   السينما الكلونيالية : مرحلة غياب الفعل
تكمن اهمية هذه  الفترة من خلال ما أنتجه الفرنسيون من أفلام سواء التسجيلية أو الأفلام الدرامية   نسجل خلال هذه الفترة حضور المغرب بعيون أجنبية ، وهوحضور ساكن لا يخترقه الفعل الإجتماعي وإنما التفاعل الإيجابي المؤثث للمشاهد الجمالية ، تغيب هنا القيم الثقافية المتحررة ،و تحضر قيم الإستكانة وقبول الوضع .
                        سينما الستينات : مرحلة بناء الفعل
تحضر قيمة الحلم مع انتقال الإدارة من المستعمر إلى السلطة الوطنية، لتنسج العلاقات الفكرية مع الشرق وتحديدا مصر . إن الصورة ستخضع في السينما لنمطية محددة تجعل السياسي يبحث عن الإستقلال ، والفاعل الثقافي يبحث عن هويته الخاصة ليتحرر من الآخر .  لا يمكن للصورة إلا أن تكون مزدوجة تعكس ثقل الماضي وتركته الثقافية من جهة ، وجاذبية الحداثة من جهة اخرى .هناك حلم ما في الأفق يتطلع إلى التعبير عن نفسه في سينما رومانسية ، وقيم تجر الماضي وتتطلع إلى المستقبل .
                        سينما السبعينات : مفارقات السياسي والثقافي
يعيش المغرب تحولات مهمة على صعيد المجتمع والسياسة . ومن بين خيارات المستقبل سيختار المغرب الرسمي طريقا سيجعله رهينا للتبعية الإقتصادية ، وستظهر حركات احتجاجية ومعارضة قوية تتفاوت في وتيرتها بين الإعتدال والراديكالية . أما الصورة السينمائية فسترسم ثورتها  في أفق آخر فهي ستعيش تغييرا على صعيد الأدوات التعبيرية لتكون حادة في مضمونها لكن رمزية في شكلها .
                         
                        سينما الثمانينات :جدلية الفعل الإجتماعي والثقافي
ستتجرأ السينما المغربية في طرح قضايا المجتمع وستتمثل أكثر تناقضات الواقع لتقيم مشهدا دراميا حقيقيا ، كما ستعكس بصدق التحولات الإجتماعية في القرية كما في المدينة ، وستحاول أن تخترق جدار الصمت وتلتحق بالمسرح في جرأته الواضحة ، وستنقل لنا السينما معانات المغاربة مع الفقر والجفاف والتخلف والهجرة والتهميش....
                        سينما التسعينات : الإنفتاح وبداية الفعل
سيكون للمغرب موعد مع الإنفتاح السياسي ، ستنقل الصورة ذلك المشهد وتنقله على صعيد الدراما . سيعيش الفاعل الثقافي تحولات مهمة في كل الميادين . ستفتح السلطة السياسية نقاشا حول بعض القضايا التي كانت من ضمن الممنوعات ، لا شك أن إصلاحا حقيقيا سيبدأ في هذه الفترة وستخرج الإحتجاجات الإجتماعية إلى العلن وستكون الصورة حاضرة لتشهد عن الأوضاع المزرية والإعتقالات السياسية ....
                        سينما الألفية الجديدة : سينما الفضح
لا شك أن سينما القرن الواحد والعشرين ستكون أكثر راديكالية في التعامل مع القضايا الإجتماعية ،ومع تنامي قيم الحداثة على صعيد السلطة. ستتوجه السينما إلى مواضيع أكثر حساسية داخل المجتمع و ستواجه القيم التقليدية والتعسف الإجتماعي والإرهاب . وبعد ما كانت السينما متتبعة وعاكسة للفعل الإجتماعي ، ستخلق هي هذا الفعل، وستفتح حوارا داخل المجتمع وستصبح مجالا لاختبار قوة الخطاب الحداثي....



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire