dimanche 16 octobre 2011

السينما والمجتمع قضايا وإشكالات محمد اشويكة



-1-
تتداخل مجموعة من العوامل في تعقيد الإشكالات المرتبطة بعلاقة السينما والمجتمع، وذلك باعتبار أن الفعل السينمائي يقع في عمق الفعل الاجتماعي أو هو امتداد من امتدادات الفاعلية والإبداع الإنسانيين داخل الفن وخارجه. تتطلب السينما من الإنسان استحداث تقنيات جديدة يتم من خلالها تبادل التكنولوجيا والفرجة والقيم وغيرها، وهذا يتم داخل المجتمع فيتجاوب معه الأفراد والجماعات وتنشأ الأذواق والاختيارات.. فالسينما وليدة المجتمع الذي ينتجها: تعيد إنتاجه على الشاشة فيمتزج الواقع والخيال ويتعمق سؤال الفعل الدرامي. كيف نميز بين الشخصية السينمائية بين الواقع والخيال السينمائي؟ كيف نتذوقها ونحكم عليها فنيا؟ هل مرجعياتها واقعية أم خيالية؟ ما هي حدود العلاقات بين السينما والأفراد داخل المجتمع المغربي؟ كيف تتبلور الأدوار الاجتماعية من خلال بعض الأفلام المغربية؟ كيف يتواصل الجمهور المغربي مع الأفلام السينمائية المغربية؟ إلى أي حد يؤثر المجتمع في طرق التلقي الفيلمية وكيف يفك المتفرج المغربي شفراتها رغم تفاوت مستوياته الثقافية والجمالية والسينيفيلية؟ بأي معنى تؤثر السينما بالمغرب في نقد وتكريس بعض الظواهر الاجتماعية داخل المجتمع المغربي؟ ما مدى تأثير النقد الاجتماعي في الفعل السينمائي؟ كيف تتأثر السينما بالمغرب بمختلف الميكانيزمات السياسية والاقتصادية الرائجة في البلاد؟ إلى أي حد نستطيع أن نحكم على جماهيرية السينما داخل المجتمع المغربي؟ وهل يحدث التواصل بواسطتها أم لا؟ هل من الضروري أن تعكس السينما الوقائع الاجتماعية كما هي في المجتمع المغربي أم أن المسافة بينها وبين الواقع هي التي تفرق بين الإيديولوجيا والفن؟

-2-
إن بعضا من تلك التساؤلات، وأخرى، هو ما يجعل من الفيلم مجرد منتوج تجاري أو يحوله إلى تحفة فنية خالدة. فالفيلم تَمَثُّلٌ للعالم، يتطور من خلال درجة وعي المجتمع وتطوره التكنولوجي وانفتاحه القيمي والأخلاقي ودرجة ازدهار منظوماته الإنتاجية ومدى تسامحه أو تشدده (دواليب الرقابة) وطموحه السياسي.. قد نستطيع من خلال افْتِحَاص الأفلام السينمائية وكذا مختلف الوثائق السمعية البصرية الأخرى من تحليل البنيات الاجتماعية للمجتمع الذي تدور فيه أحداث الفيلم (أحداث المجتمع)؛ إذ تسعفنا الصور المتوالية للفيلم من الاقتراب من منظوماتها الدلالية والرمزية والسياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي ساهمت في بلورتها ونشوئها.
تؤثر التيمة التي يطرقها الفيلم السينمائي بشكل مباشر في التصنيف الفيلمي حيث يتم ذلك استنادا على زاوية المعالجة التي قد تكون اجتماعية أو سياسية أو تاريخية أو مجرد وقائع اجتماعية عادية.. وذلك ما يساهم في رسم ملامح المجتمع المنتج للأحداث والصور معا. لم تعد السينما مجرد فرجة محايدة، بل هي منظومة إيديولوجية متكاملة تتدخل في صناعتها وتسويقها منظومات وميكانيزمات متشابكة الخيوط، فالسينما اليوم تدخل في صميم الحوامل المُصَدِّرَة للتوجهات الكبرى للدول ورافدا من روافدها الثقافية والسياسية والاقتصادية.. ونافذة تطل من خلالها الشعوب الأخرى على درجة تقدم مجتمعها ومنظومات عيشها...
يشكل الفيلم منظومة اللاوعي الجمعي الخاص بمجتمع من المجتمعات، فهو انعكاس لما يقع فيها، راصد لديناميتها، مبين لأمزجتها العميقة، كاشف عن ذاكرتها.. لذلك، من الصعب جدا الحديث عن تحليل موضوعي منفصل عن الذات المحللة للفيلم مهما تعقدت المناهج الكمية لأن طرائق الإخراج تمارس نوعا من التوجيه الذي لا يعيه المتفرج أثناء التماهي مع الفرجة السينمائية.
تتداخل علاقة السينما كفن بمجالات اشتغال عالِم الاجتماع، وذلك على مستوى عدة حقول معرفية تؤطرها العلوم الإنسانية بشكل خاص سيما السوسيولوجيا والسيكولوجيا والسيميولوجيا ونظريات التلقي والتواصل.. فالسينما فاعلية فنية إنسانية، اجتماعية، رمزية، يقع الفرد والمجتمع في صميم اهتمامها وتأثيرها وذلك من حيث مدى تأثير صناع الأفلام في المجتمع، والدوافع التي تقودهم إلى إنتاجها، وعلاقات الجمهور بالأفلام، ونوعية الأفلام المُشَاهَدة، وكيفية تقييمها بعد التلقي وامتدادات توجيهها أو تحكمها في الرأي العام. وهذا ما يقودنا للإشارة إلى ارتباط السينما بالسلطة كممارسة اجتماعية وكحركية ثقافية ما فتئت تخلق الاختلاف والصراع بين مشاهدي الأفلام.

-3-
ما يثير في علاقة السينما بالمجتمع حجم التساؤلات التي يطرحها الجمهور على صناع الأفلام، وهي أسئلة تخص المقارنة بالواقع؛ إذ يتلقى الباحث أثناء الندوات هذا النوع من الاستفسارات التي تربط الفيلم بالمجتمع.. وهي تتجدد باستمرار، من جيل إلى جيل، الأمر الذي يضعنا أمام رؤيتين: سينما منفصلة عن المجتمع، وسينما تعكس المجتمع؛ سينما من أجل المتعة، وسينما من أجل الناس؛ سينما المؤلف وسينما الجمهور أو شبابيك التذاكر؛ سينما النخبة وسينما الجماهير...
مهما اختلفت التسميات والمصطلحات، فالجدل قائم بين مناصري كل اتجاه: هناك من يعتبر أن الاتجاه الأول محكوم بالجهات الإيديولوجية المهيمنة على صناعة القرار، وفي هذا الباب يفرق أدورنو "Theodor W. Adorno" بين الفن الشعبي أو الإبداع الجماهيري الذي يصدر عن مجتمعٍ يتكون من أفراد يبدعون ويتقاسمون الفن، وهو بمعنى من المعاني، النشاط الإنساني الفني الأصيل؛ وبين الصناعة الثقافية التي لا تضع الفرد المستقل كمنطلق، ولا كهاجس أول، وإنما تبتكر منتوجات تحت يافطة "فن" ليتم استهلاكها من طرف الجماهير.
يستحوذ الاهتمام بالضمير الجماعي لدى مؤيدي الاتجاه الأول في حين يتجاهله الطرف الثاني أو يعوضه بِنُظُمٍ تطويعية ووصلات إشهارية وصور نمطية تفسح المجال أمام هيمنة منظومات الإنتاج والتسويق ضدا على كل ما يراعي الشرط الإنساني، ويُشَرِّحُ العلاقات، ويستنهض الضمائر، ويدعو للتفكير والنقد والتأمل بعيدا عن الاستهلاك السلبي. تسعى الصناعة الثقافية إلى الرفع من قيمة الإنسان، والمساهمة في بناء قيمه العليا.

-4-
تساعد السينما على التسجيل الميكانيكي للواقع، فالفيلم يسجل، رغم الحرص الشديد لصاحبه، بعض التفاصيل التي تتسرب إلى الناس ولو عبر النظرات والابتسامات والملامح والسحنات.. فقد تتكون لدى المتلقي بعض الأحاسيس والميولات التي تجعله يقترب من الفيلم أو يبتعد عنه، وذلك ما ينعكس أيضا على مستوى الحكم الجمالي. يشير عالم الاجتماع بيير بورديو إلى أن المنظومة الصناعة السينمائية تساهم من خلال طرق إدماجها، وأشكال التعاون القائمة بين مُحْتَرِفِيها، في إعادة إنتاج الجماعة وإيديولوجيتها.[1] وهذا ما قد يخلق، في حد ذاته، عائقا إبستيمولوجيا يزيد من فهم التباس العلاقة بين المجتمع والسينما سواء على مستوى المجموعات الكبرى (مختلف مكونات المجتمع) أو الصغرى (المهنيون). وهي علائق لا تنفلت من رقابة المؤسسة الوصية على القطاع من خلال مراقبة الولوج المهني وتشكيل لجان التقويم والدعم والمراقبة والفرز والتصريحات والتراخيص.. وغير ذلك من طرق التدخل البسيطة والمعقدة.

-5-
من الصعب جدا أن نحصر علاقة السينما بالمجتمع في بعض الأبحاث كأن نحدد التوجهات والمسارات لأن ذلك يحد من طموح السوسيولوجي كباحث عن الحقيقة، ومن زحف السوسيولوجيا نحو كل مجالات النشاط الإنساني. لا أعتقد أن السوسيولوجيا تخرج عن نطاق تموقعها ضمن خريطة العلوم الإنسانية التي يظل سؤال العلمية فيها محاطا بسؤال الإيديولوجيا والعاطفة، سيما إذا ولجت مجال الفن السابع الذي يقع في عمق ما هو إنساني وعاطفي وإيديولوجي.. يصعب كثيرا على السوسيولوجي أن يتجرد، كالعالم في مجال العلوم الحقة، من كل إحساس وميول، وهو يناقش قضايا الذوق والإبداع والاختيار والحكم الفني والجمالي.. فسوسيولوجيا السينما حديثة عهد بالأوساط الأكاديمية، وهي في حاجة إلى طرح الإشكاليات، وتجريب المناهج، أكثر من الانغماس في إصدار الأحكام. يحتاج هذا النوع من البحث إلى النبش في قضايا الإبداع السينمائي والتلقي والإنتاج والتسيير.. فالسينما توجد في الواقع ذاته قبل أن تمر من دواليب الصناعة السينمائية؛ إذ من الممكن أن تحد القراءة المعيارية التي تبحث في السينما عن انعكاسٍ ما للواقع من قيمة المنتوج الفنية والجمالية. يشكل الفيلم جزءا من الواقع من حيث بعده الاقتصادي والتقني والإبداعي.. لكن الصدمات الزمانية التي يمكن أن يتسبب فيها من شأنها أن تساهم في الابتعاد بالمُشَاهِد عن الواقع. فالمجتمع ليس سَبِيكَة واحدة، بل خليط من الظواهر والامتدادات التي تتبدل وتتحول بشكل لا يمنح نفسه للباحث.

-6-
تلك بعض الإشكالات التي يمكن أن يلامسها الخطاب السوسيولوجي حول السينما بالمغرب، وذلك عبر مقاربة متعددة المناهج سواء من خلال نماذج فيلمية معينة أم من خلال دراسات مرتبطة بسؤال السينما والمجتمع، من الممكن أن تتفاوت بحسب زوايا النظر والتخصصات.. فما دامت الدراسات السوسيوسينمائية ناذرة في المغرب لأسباب كثيرة لا داعي للتفصيل فيها، هنا، فإن هذه الورقة تصبو إلى رَصْدِ بعض التساؤلات والعلاقات الممكنة بين السينما والمجتمع من خلال مقاربة بعض القضايا ذات الطبيعة السينمائية والسوسيولوجية معا (Ciné sociologique) آملين أن تكون دراساتنا السابقة قد أجابت، ولو جزئيا، عن بعضها.
أعتقد أن الاشتغال السوسيولوجي على الفيلم المغربي يصبو إلى ربط كل العلاقات التي يمكن أن نستشفها من خلال محاولة تصنيفه ضمن خريطة الأنواع السينمائية، وكشف مرجعيات مؤلِّفِيه، وأصولهم الاجتماعية، ومراكزهم.. بالطريقة التي تطرح بها المجموعات الاجتماعية مشاكلها خلال فترة زمنية معينة. ولنا في تاريخ السينما كبير الأثر، إذ حاولت الواقعية الإيطالية الجديدة عبر أفلامها الراسخة وأعلامها المشهورين من أمثال دي سيكا "De Sica" وروسيليني "Rossellini" وڤيسكونتي "Visconti" ودو سنتيس "De Santis" أن ترصد واقع المجتمع الإيطالي وفق الرؤية الخاصة بكل مخرج، متحدية عوائق الإنتاج المختلفة، معتمدة على وسائل تقنية بسيطة، مستعينة بممثلين غير محترفين، محاولة إحداث قطيعة مع السينما الصناعية التي سبقتها.
لا يمكن أن نجزم بأن الفيلم السينمائي يقدم الحقيقة كاملة، كما هي في الواقع، بل يجزئها وينظر إليها من زوايا قد تخضعها لبعض التشوهات أو القراءات غير المناسبة، وتلك الصعوبة الإبستيمولوجية الك


[1]- Pierre Bourdieu, Le Sens pratique, Paris, Minuit, 1980.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire