dimanche 16 octobre 2011

اغتراب السينما وتغميم خطابها في المجتمع المغربي - حميد اتباتو



يدور نقاش حماسي  حول السينما المغربية منذ مدة  يقول ظاهريا بحيوية المجال السينمائي وبديمقراطية النقاش لتحقق سينمانا شكليا الوظيفة الجوهرية التي حددها لها الزمن الحداثي الذي أنتجها وهي تكريس الحوار الديموقراطي وإعادة إنتاجه بشكل متخيل في المجتمع ويكون ذلك جد مفيد خاصة في مجتمع غير ديموقراطي ولم يؤسس بشكل فعلي للحوار الديموقراطي ،إلا أن الإنصات لأشياء عديدة داخل هذا الحقل لا تبين ضيق مساحة الحوار الديموقراطي الحقيقي بصدد السينما بل تبين كذلك حقيقة اغتراب هذه السينما خاصة حين يفكر فيها انطلاقا من وظيفتها التاريخية داخل مرحلة تاريخية سمتها الانهيار والسقوط. وتغميم خطابها والخطاب حولها حيث يرغمهما واقع العلاقات الثقافية ،وضمنها العلاقات السينمائية، على الاختيار بين شيئين متضادين هما إما مسايرة الأطروحات و التصورات التي يتم تشييدها من طرف الجهة الرسمية و التابعين لها و الحصول بالتالي على مساحة ما من مجال هذه المؤسسة تسمح لك بالتعبير وأحيانا العمل خاصة بالنسبة للمحترفين وإما التشبث بالرأي الخاص الذي لا يعني بالضرورة معاداة الجهة الرسمية بقدر ما يعني عدم توفير الملاحظات والانتقادات والمواجهة إن استدعى الأمر ذلك لكل ما يبدو سلبيا في التصورات السينمائية وفي الممارسة التي منها الممارسة الخاصة إبداعا أو نقدا إلخ. ويهم هذه الورقة أن تفكر،كما الجميع ،ومن نفس الموقع الذي ينطلق منه الكثير، في المساهمة في الحديث عن السينما المغربية والذي يهمه المساهمة مع الآخرين في التأكيد أن السينما في المغرب لا يمكن أن يكون لها من معنى إلا حين تعي أن وجودها مرهون لاحتياجات الثقافة الوطنية واحتياجات الناس و الواقع في لحظة تاريخية جد خاصة هي لحظة الانهيار، ولهذا بالضبط نرى فاعلية الحديث عن اغتراب السينما وتغميم خطابها انطلقا من العناصر التالية:
-I- حديث السينما المغربية بين الأهواء الذاتية والمضمون الديموقراطي:
الحديث عن السينما  المغربية ككل نتاج فكري هو في حقيقته الاجتماعية علاقة تناقض في الصراع الإيديولوجي ومسايرة هذه الطبيعة لا يتحقق كجوهر مستقل أو وحدة متجانسة مسايرة منه للاتجانس المواقع الإيديولوجية التي ينطلق منها والمحكومة بمواقف متناقضة نحصر أهمه كالآتي
أ- التشاؤم النكوصي: إنه الموقف الذي يتبلور من داخل موقع لا يرى في السينما إلا تبديدا للمال العام ،وتدميرا للقيم الخاصة وتوظيفا ضد الهوية بمعناها النكوصي .فيصير الخطاب الأخلاقي ومنطق التحريم مدخلا لتحريم الممارسة الفنية عامة وممارسة السينما بشكل خاص.وهكذا يعود خطاب التحريض لأدوات الأزمنة الغابرة بغاية الردع العنيف ليس للإبداع السوقي و السخيف و القبيح فقط ، بل للسينما نفسها دفاعا عن مساحة أكبر للنموذج الإبداعي المثالي الذي لن يكون ،بحسب هذه العقليات،إلا "الخطابة،وإبداع الموعظة و الأخلاق" من موقع هذه الذهنية وبذلك تتم جوهرة خطاب هذا الموقع فيتماثل مع خطاب الماضي فلا يقبل بالنتيجة أي إبداع جديد خارج إبداع الأصول وحتى حين يقبل به ظاهريا يريد له أن يتخلى عن بلاغته وأسلوبه وفنياته الخاصة في التعبير ويعوضها ببلاغة وأسلوب وفنيات إبداع الأصول.وهذا المنطق حصل دوما في وجودنا الثقافي وهو ما عاشته تجارب إبداعية جديدة كثيرة منها المسرح ،و الرسم،والرواية والشعر الحديث والآن جاء دور السينما التي لا يتم الهجوم عليها في الكثير من الأحيان لأنها قبيحة بل لأنها من الفنون الجديدة ومن إنتاجان الزمن الحداثي ولأنها كذلك ينظر إلى فعلها ووظيفتها وقيمتها بالكثير من التشاؤم .ولنا في وقائع كثيرة من المجال السينمائي المغربي في السنوات الأخيرة أمثلة دالة على أن المقصود ليس هو الإسفاف الإبداعي الذي لا يناقش السينما كفن لا يراد له أن يبني مشروعيته وجودنا الثقافي والاجتماعي.
ب: التفاؤل الطليق: إنه الموقف الذي يتبلور من داخل الموقع الرسمي وتدعمه أصوات في مجال الإبداع و النقد وغيرهما ويكرس في الكثير من تمظهراته منطق التعمية ليس لكونه مخطئا في منطلقاته التي قد يكون فيها الكثير من الصدق والإيجابية خاصة بالنسبة للقلة التي لها القدرة على الاقتراح والمبادرة ولكن لكونه ينشغل بتكريس ثقافة التمجيد وتجميع طابور المداحين للدفاع عن مشاريعهم والتصفيق لها وبالمقابل مصادرة حق النقد من المخالفين وهذا ما يسقط هذا الموقف في التماثل مع المنطق الأبدي للمهيمن الذي لا يهمه أن يتبقى من أثر أو صدى للمخالف له وفي التوحد مع موقف التشاؤم النكوصي في - الاعتقاد بالحاجة إلى تضييق مساحة الحرية  في مجال الحوار السينمائي والمصادرة للمختلف وعلى هذا الأساس يتم توزيع "الرضى" و"الدعم" على المرتبطين بالمجال والمحسوبية عليه. لقد دأب الموقع الرسمي على تمجيد مشروعه ونبذ التصورات المخالفة أو المضادة له وهكذا دفعت أسماء وتجارب إلى حافة المعاناة والنبذ والإكراه على الصمت طيلة مسارات وجود هذه السينما من خلال عدم توزيع وعرض أفلامها سابقا وعدم دعم مشاريعها في السابق والآن بل ومحاصرة إشعاعها بتبريرات متحولة بتحول المراحل وتحول المسؤولين. ويبقى الثابت دوما هو الإكراه على الخضوع لمنطق خاص يقول بالتفاؤل الطليق وبإلزامية التمجيد لما يقترح حتى وإن ظهرت الأعطاب واضحة كما الحال في شعار "الكم أولا" الذي يرفع في المرحلة الحالية والذي شرع الباب للكثير من التطفل والتهافت حيث أصبح الارتباط بالممارسة السينمائية الصيغة المثلى للاغتناء الخاص والاستفادة المادية والرمزية بعيدا عن أي قلق ثقافي وإبداعي حقيقي لدى الكثيرين. ميزة موقف التفاؤل الطليق هي رفضه المطلق للجدل السينمائي من خارج منطلق امتداح ما قد يكون إيجابيا من مكتسبات خاصة الرفع من قيمة الدعم و الدفع من عدد الأعمال المنتجة سنويا هذا مع العلم أن تحقيق هذه الأشياء هي من الواجبات الأساسية لهذه الجهة وخارج تحقيق مثل هذه المكتسبات للحقل من موقع الواجب ستكون الجهة الرسمية من دون أية قيمة بل وناقدة للغايات التي أوجدت من أجلها.
ج: القلق النقدي: لا يتسامى موقف القلق النقدي كمثال مقطوع  عن الواقع ولا ينطبع بمواصفات الطهارة والتحريض الساذج كما لا يهمه أن يجعل من الأزمنة الأداة الأمثل لمقاربة العلاقة السينمائية ،لكنه من جهة أخرى لا ينشغل بمقايضة أحكامه وتحليلاته برضى هذه الجهة أو تلك لأن منطلقه الأساسي هو صياغة ملامح إجابة بصدد أسئلة سينما الهزيمة وخطابها عبر التفكير فيها انطلاقا من حقيقتها الموضوعية باعتبارها علاقة ضمن العلاقات الاجتماعية والسياسية. ما ينشغل به موقف القلق النقدي هو الانطلاق من  أرضية النقض لمواجهة منطقي التشاؤم النكوصي والتفاؤل المطلق ومناصرة السينما الأخرى وإنعاش حقلها والتي لا يحركها هاجس التراكم الكمي وبلاغة الانهيار بقدر ما يحركها التجاوب مع احتياجات التاريخ في زمننا المغربي ،ومن هذا المنطلق بالضبط يهمنا أن نناقش مسألة السينما وتغميم خطابها وذلك انطلاقا من العناصر التالية:
-II- الدلالة الاجتماعية للممارسة السينمائية بالمغرب:
يفرض تناقض الرؤى  نفسه في الحديث الثقافي عامة وحديث السينما بشكل خاص تبعا لتناقض المواقع  التي تتأسس منها هذه الرؤية أو تلك، وهكذا تتغمم رؤية الإبداع الفني لاهوت الفن المؤسس على مبدأ الفن للفن، والخصوصية الإبداعية وتسامي الممارسة الفنية، وانقطاعها عن الوظيفة الاجتماعية، وهكذا يرتفع الإبداع سياقه الاجتماعي فيخرج عن شرطه التاريخي وطبيعي هنا أن يصير الحديث عن وظيفة الإبداع الفني مسألة خارجة عنه تترجم الإلحاق القهري لهذا المجال الخاص بمجالات أخرى بعيدة عنه كالمجتمع و السياسة وهذا غير صحيح لكون الفن "ليس عملية إبداعية ذاتية المرجع، يحققها فاعل متميز ذاتي المرجع بدوره، أي أنه فعل إبداعي يقوم بذاته ولذاته "(1) بل علاقة اجتماعية لا يستقيم تحديدها إلا بربطها بباقي العلاقات الاجتماعية الأخرى التي لا تفرض الصيغة التي يتعرف بها بل توجهه بحسب احتياجات هذه المرحلة التاريخية أو تلك . ما يبرزه هذا التحديد أساسا هو كون الوظيفة الاجتماعية للفن تعد المركز الأساسي الذي يتعرف به هذا الحقل ومجموع مكوناته التي منها السينما . فكيف تقرأ الدلالة الاجتماعية للسينما في ـ مجتمعنا وما هي المسارات التي شكلت في- خضمها هذه الدلالة منذ بداية السينما المغربية إلى الآن؟                     
لقد توافق استنبات السينما كتقنية حداثية بالمغرب منذ المغربة إلى نموذج الانهيار مرورا بمحاولات التأصيل لهذا لفن من مداخل عديدة مع مسار مغربة علاقات المجتمع و تحديثها ما بعد الاستعمار، فكان أن بشر استنبات هذا الفن الحداثي بالمغرب وخطاب هذا الفن بحلم تحديث المجتمع وإسهام السينما بفاعلية في ذلك وهذا ما نجد تعبيرا عنه في – أغلبية الأفلام التي تعاقب إنتاجها لتشكل ما نسميه الآن "الفبلموغرافيا المغربية". انشغلت السينما المغربية بالمجتمع فانتقدته وبشرت بالمستقبل وتفاوت درجة جديتها في الانشغال بالحاضر والمستقبل إلا أن فاعلية خطابها المنشغل بالواقع لم يبرز إلا بعد أن استدعت اللحظة التاريخية انطلاقا من بداية سبعينات القرن الماضي وهذا ما أفرز وعي رواد السينما للحقيقة التي يقوم عليها هذا الفن وهي أن معنى السينما لا يستقيم إلا بانخراطها الطبيعي في سيرورة المجتمع بشكل فاعل وأن فاعلية هذا الانخراط لا تتحقق إلا بتحقيق السينما كشكل حداثي بالفعل يقطع مع صيغه المتردية كما تجلت في النماذج الكولونيالية والميلودرامات المصرية والأعمال الأولى للمغاربة وهو ما لا يتحقق إلا بتجديد أدوات التعبير الفني وتمثل المقترحات الجمالية للتجارب الطليعية في العالم.والذي دفع السينما المغربية في هذا المنحى ليس الرغبة الذاتية لمبدعيها بل الشرط التاريخي وخصوصية المرحلة حيث ألزما كل حقول المجتمع بالانخراط العضوي في الحركية التي عرفها المجتمع في تلك المرحلة ،وهو ما ترجم بصيغة أعمال أصيلة في خطابها الفكري وتجربيتها الفنية. لقد أصبح الانفتاح على الانسحاق الاجتماعي والسياسي قناعة إبداعية لدى أهم مخرجي المرحلة وهو ما أسس لظهور قلق توضيح المواصفات الوطنية من داخل تجارب أحمد البوعناني، ومومن السميحي، وجيلالي فرحاتي، ومحمد الركاب، وأحمد المعنوني، وحميد بناني، ومصطفى الدرقاوي إلخ. وعلى الرغم من أن تجارب المرحلة كانت توقع بأسماء أصحابها إلا أنها تعد نتيجة لوعي سينمائي جماعي برز أصلا من داخل تكتلات تاريخية منها "تكتلات وشمة" و"تكتل رماد الزريبة".
ما برز  أكثر في أفلام المرحلة هو الأبعاد الاجتماعية التي شكلت ركيزة للتخييل وهو ما نجده في أفلام الأسماء السابقة من قبيل "وشمة" و"السراب" و"عرائس من قصب" و"الشركي" أو" 44 أسطورة الليل" و"ليام أليام" و"رماد الزريبة" و"حلاق درب الفقراء" إلخ. ومن المحاور التي ترجمت الانتساب العميق لهذه الأفلام للصيرورة المجتمعية هناك، الاضطهاد، والبؤس الاجتماعي، ونفي الكرامة، والهيمنة الذكورية، ومحو الأنثى، وعنف العلاقات الاجتماعية واللاعدالة إلخ. لقد احتاج منطق التاريخ أن يدعم الحركية الفاعلة باستدعاء شكل خاص للممارسة السينمائية تبنته النخبة المناصرة لمشروع الثقافة الوطنية الفاعلة فكان أن برز الحديث عن مشروع السينما الوطنية حاجة استعجالية لدى الأسماء الرائدة لمرحلة السبعينات وبداية الثمانينات ولدى رواد الأندية السينمائية وكل الذين ارتبطوا بالفن السابع في المغرب من الموقع النضالي والمضاد.التصورات الفنية والثقافية المقترحة داخل أفلام المرحلة كانت لها قيمتها إلا أن أثرها لم يتحقق كما أريد له بعد أن أكرهت علاقة الإبداع المختلفة على الخضوع لعلاقات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك السائدة حيث كانت معاصرة علاقة الإبداع وتكبيلها جد فاعلة في تعطيل فاعلية أثرها على وعي قاعدة عريضة فاقتنع الرواد بأعمال قليلة و بالحضور لدى جمهور نخبوي لاقته هذه الأفلام في فضاءات جامعة الأندية وفضاءات بعض المهرجانات السينمائية القليلة آنذاك، ولهذا كله لم تنتج الأسماء القوية إلا عددا قليلا من الأفلام بل منها من انتهى إلى اليأس أو الموت بعد أن جربت المعاناة متاعه وصلابته ومن هؤلاء نذكر حميد بناني (فيلم "وشمة" [1970] والفيلم الثاني "صلاة الغائب" [1985])، وأحمد البوعناني (السراب [1980])، وبعده لم يعد لإخراج أي فيلم طويل ليعود لتجربة الأفلام القصيرة والمتوسطة ثم ليغوص في صمته بعد أن لم ترحه تجربة التعامل مع أسماء جديدة في مجال الفيلم الطويل)، وأحمد المعنوني (أخرج "ليام أليام"سنة 1978 و"الحال" سنة 1981 وانتظر ما يزيد عن ربع قرن لينجز فيلمه الثالث "قلوب محترقة" وأعضاء تكتل "رماد الزريبة" حيث لم ينجز بعضهم إلا فيلما واحدا بعده كحال "محمد الركاب" و"نور الدين گونجار" فيما انتظر "عبد القادر القطع"إلى حدود 1991 ليبدأ مسارا آخر بعد "حب في الدار البيضاء" لكن في سياق مختلف وهو ما ينطبق على "مومن السميحي" الذي حاول متابعة المسار لكن بشكل جد بطيء حيث أخرج "44  أو أسطورة الليل" سنة 1982 بعد حوالي سبع سنوات عن الفيلم الطويل الأول ثم انتظر 1988 لينجز "قفطان الحب" الذي غرق فيه في انشغالاته النفسية ليلزمه السياق الجديد بالانتساب السينمائي للتجربة المصرية "سيدة القاهرة" وبعد الكثير من الصمت سيعود للتجربة الذاتية بعد أن فرضت التحولات المجتمعية مواصفات خاصة لسينما المرحلة.
الانحباس التدريجي للانشغالات العميقة بقضايا الواقع كما عكستها أهم أفلام السبعينات توافق مع التضييق على الحريات وتحرك القوى المهيمنة بكل عنف لكبح حركية المجتمع وإجهاض محاولات تحيين المبادرة الفاعلة في المجتمع والثقافة وعلى الرغم من الانتفاضات القوية في 1981 و1994 فقد كان لهذا العنف أن أسكت الكثير من أنفاس التمرد في الواقع والثقافة والسينما. ولدعم منحى الإسكات سيأتي الدعم ليفرخ تجارب سينمائية تجيب عن احتياجات المرحلة من موقع المهيمن فكان أن انشغلت بدورها بقضايا الواقع إلا أن ذلك قد تم بشكل سطحي وشعبوي عوض أن يخدم توضيح الرؤية وإنضاج الوعي الفني والثقافي أنعش الالتباس أكثر وهنا بالضبط ستلعب العلاقات السينمائية الأخرى والتوزيع والإنتاج والدعم وظيفتها لتشيد نمطا سينمائيا قيل إنه المنتوج المفضل لدى الجمهور وكان ذلك على حساب التضييق على التجربة الأصيلة للرواد و الأكثر مأساوية إن ذلك كان على حساب فكرة تأصيل المشروع السينمائي الوطني .
إنها الفكرة التي تبدو بدون معنى بعد أن تواطأ أكثر من طرف مع تحولات المرحلة لتأكيد لا معنى خطاب واستراتيجيات ورؤى السبعينات وبداية الثمانينات وسيفرض على السينما أن تنتظر تبلور وعي جديد لدى فئة جديدة لم تتكسر طموحاتها الثقافية والإبداعية لسبب بسيط هو تواجدها في مرحلة الانهيار في أوطان تنعش الآمال فكان أن تم تحيين فكرة مشروع السينما الوطنية بشكل طبيعي في تجارب هؤلاء ولهذا سيعود الواقع ليشكل قلقا في الاشتغال السينمائي وسيتم التركيز على القضايا المنسية والمهمش مع تمييز المقارنة الفنية للواقع وهكذا كانت الأفلام الأولى لأسماء من قبيل نور الدين لخماري وحكيم  بلعباس، ومراد بوسيف، وعلي الصافي، وفوزي بنسعيدي، ونرجس النجار، وياسمين قصاري، وفاطمة جبلي الوزاني، إلخ.. بمثابة إجابة عن احتياجات الشرط التاريخي وصيغة لترجمة الوعي الإيجابي في مرحلة الانهيار، وما سيتميز أكثر هنا عودة البعد التجريبي بملامح جديدة، والانفتاح على الواقع كقناعة مبدئية.
مع هذه  المغامرة الإبداعية الجديدة التي أسميناها "الحساسية الجديدة " ستبرز وضعيات جديدة في حقل السينما والمجتمع من ملامحها الكبرى إغلاق  القاعات، وعودة خطاب التحريم وتضخم التبرم من الممارسة السينمائية وهنا بالضبط سيعود الالتباس ليغمم هوية الممارسة السينمائية وخطابها بعد أن أصبح النظر إلى هذا الحقل يتناقض بين موقفين حصرناهما سابقا، هما موقف التفاؤل الطليق الذي يستمر في تمجيد ذاته والاحتفاء بإنتاجاته وبكم الأفلام ويرفع بشكل إيجابي من قيمة الدعم. وموقف التشاؤم النكوصي الذي تقلصت لديه الهوية لتختزل في شكليات فدفع بنقده إلى الواجهة ليحارب ظاهريا ما يسميه "الانحراف الأخلاقي في السينما الموجه دائما برأيه من طرف الجهات الأجنبية" المتهمة دوما من موقع العلاقات والتصورات المهيمنة، لكن ليحارب جوهريا السينما في حقيقتها كفن أولا و كفن حداثي ثانيا وليقول ضمنيا بأسلمة السينما وكل الفنون والثقافة إلخ.
على النقيض من الموقفين سيبرز موقف القلق النقدي في مجال الإبداع والنقد و البحث.. ليقول بتصور نقيض للموقفين المتضادين من مرتكزاته البارزة نذكر:
- اعتبار العمل من أجل تجذير مشروعية الممارسة السينمائية قناعة مبدئية لا تخدم السينما فقط بل تخدم التصور البديل للمشروع المجتمعي...
- اعتبار ربط  السينما بالمشروع الثقافي الوطني  ضرورة تاريخية تستدعي تحيين فكرة المشروع السينمائي الوطني وتجديد ملامحه بحسب احتياجات المرحلة التاريخية الجديدة.
- النظر إلى السينما من داخل وظيفتها وربط هذه الوظيفة باحتياجات المجتمع والتاريخ.
إنها بعض  المنطلقات التي ستجعل من موقف القلق النقدي يبدو عدوا مركزيا لموقف التفاؤل الطليق خاصة حين لا يقبل بقداساته ومنطق التمجيد الذي يفرضه كشرط للاعتراف بالآخر ولأنه يقول إن "سياسة الكم " ودعم التهافت في المجال والمحاباة بحسب القدرة على التمجيد ، والنظر إلى الدعم كهبة وليس كحق وعدم محاسبة المتهافتين على الانتفاع وليس الإبداع وعدم سن قواعد واضحة وموضوعية في دعم الأفلام والثقافة السينمائية أشياء خاطئة. ولأنه يقول بهذا يبدو قريبا في الكثير من الأحيان من موقف التشاؤم النكوصي الذي سيستعير من الأول الكثير من مقاييس التقييم لكن ليقول "بأسلمة السينما " وليس تجذير حداثيتها. وما يعنيه كل هذا هو أن الحديث عن السينما المغربية تم يتحقق بشكل مقطوع عن الواقع فكان الاختلاف حول ما يراد منها في هذا الواقع، وما يراد أن تتعرف به في انتسابها للمجتمع الذي تنتج فيه، وما يراد أن تكون عليه أساليبها وأشكالها الفنية التي اقترحت من داخلها رؤية المجتمع والدلالة الاجتماعية لممارستها وخطابها. إلا أن ما يطرح كسؤال هو هل استطاعت السينما المغربية وعي الحاجة إلى إنجاز وظائفها الفنية والاجتماعية في كل مراحلها التاريخية ؟ وهل صيغ استحضارها للواقع لم تغممها انزلاقات فكرية من داخل هذه التجربة أو تلك؟ وهل تستطيع الممارسة السينمائية أن تنعش بعض الأمل بعد اغتراب المستقبل وعدم اغترابها هي نفسها وانهزامها في هزيمة الواقع وأحلام المستقبل وهذا ما نقف عنده في العنصر الأخير.
-III- هزائم الواقع واغتراب السينما بالمغرب:
قلصت الصيرورة المجتمعية مساحة التفاؤل التاريخي في الواقع بشكل تدريجي ابتداء من لحظة الاستقلال إلى الآن. فبعد أن انتعشت أحلام التحرر بتحقق الدولة الوطنية وجلاء المستعمر. و بعد أن أنتجت حركية النضال والمواجهة ما يكفي من أفكار التقدم لإحياء الأمل إلى أن أصبح المستقبل مغتربا ومرهونا لأقداره المجهولة. وحين ينهزم الواقع ويغترب المستقبل تنهزم السينما بدورها، وحقل الثقافة والفن كذلك،ليس لأنها لا تستطيع إنتاج رؤى وأفكار التقدم بل لأنها تنجز للهزيمة خاصة حين لا تسندها المقاومة والنضال باعتبارهما قناعة مبدئية، والانخراط العضوي في الارتباط بالفن والواقع، وحضور هذه القناعة و غيابها هو ما يهمنا التركيز عليه في هذا العنصر الأخير لتأكيد اغتراب السينما في الواقع المغربي المهزوم. لقد حضر التفاؤل التاريخي في السينما بدرجات متفاوتة تعكس تفاوت عضوية المنتمين إليها وعمق اقتناعهم بالتغير الاجتماعي وبإمكانية الإسهام الفاعل في هذا التغيير من داخل الحقل الثقافي والسينمائي أساسا، ودفع هذا التفاؤل إلى استنبات هذه التقنية الحداثية في واقعنا، وما يقوله هذا الاستنبات في ذاته هو مناصرة التحديث، عن وعي أو بدونه، ثم حضر كذلك من خلال مسعى تأصيل هذا الفن ابتداء من بداية السبعينات وكان للتأصيل معنى تجديد الشكل الفني ليسمح بتقديم مضامين أهم وهو ما ترجم بصيغة أفلام كبار الرواد أمثال "حميد بناني" و"أحمد المعنوني " و"مومن السميحي" و"محمد الركاب" إلخ. وعلى الرغم من انحباس نفس هذا المنحى التأصيلي لمرحلة فقد عاد قلقه لاحقا بعد أن تم وعي الحاجة إلى تحيين مشروع السينما الوطنية وتجديد أوجهه خاصة مع بعض رواد الحساسية الجديدة فتكرس الانفتاح على الهامشي والمنسي والممنوع بصيغ عديدة وباعتماد طرائق جمالية وإمكانيات تقنية أقرت الغالبية بقيمتها، لكن رغم كل هذا أصبحت السينما المغربية بدون أفق، بل وبدون وظيفة بعد أن اغتربت هي نفسها في الواقع وكان ذلك أن انقطعت عن العلاقة المنعشة لمعناها وهي علاقة الاستهلاك الطبيعي في القاعات .
لقد أصبح  ما يسمى "سينما مغربية " منذ  أواخر السبعينات مجموعة من الأفلام  المتراكمة بغزارة، وبدعم سخي لا يقارن بما حصل منذ أن بدأت سياسة الدعم السينمائي، ليس لتوجه إلى قاعدة جماهيرية كبرى بل لتعرض في مهرجانات داخل الوطن و خارجه بحثا عن جوائز و أحاديث في الإعلام لدعم فرص أصحابها للحضور الرمزي والحصول على دعم محلي أو أجنبي لأعمال مستقبلية وهذا ما نسميه اغتراب السينما، أما هزيمتها فنقرؤها من خلال تجليات منها ما يأتي:
أ- تعطل الفاعلية: تبين وقائع عديدة أن السينما المغربية سائرة نحو فقدان فاعليتها باعتبارها آلية للتحديث الاجتماعي، وأداة هائلة للتموقع في الصراع الاجتماعي وصيغه لإثراء المشروع الثقافي الوطني من أهمها انغلاق أحاديثها داخل قطبين متناقضين ظاهرين ومثماتلين جوهريا في استحضارهما للسينما كمثال مقطوع عن الواقع يقرؤه الموقع الأول من موقع التمجيد ومنطلق الكم والنبذ المطلق لأي نقد وتقديس المقترح الخاص الذي ينظر إليه من موقع النرجسية والكرم الذاتي وليس من موقع الواجب والمسؤولية الرسمية والتاريخية، ويقرؤه الثاني من موقع السلطة الأخلاقية ومنطق التحريم والاتهام المسبق بناء على قناعة الخصومة الثقافية مع الصورة والسينما وليس الرغبة في تصحيح الخلل. إضافة إلى هذا هناك ما أسميناه بهزيمة السينما التي لم يعد في إمكانها ملاقاة جمهور في أماكنه الطبيعية أي قاعات العرض السينمائي، وهكذا لا تكون أي قيمة للسينما ولما تقترحه من خطابات فنية وفكرية. فالمحدد لمعنى هذه القيمة هو الاستهلاك الواسع وهذا ما لا يتحقق في الواقع.
ب- خيانة التاريخ: نقصد بخيانة التاريخ شيئين أساسيين، الأول هو خيانة حقيقة السينما كما فرضها تاريخها أي تحققها كفن رفيع له أدواته التعبيرية المتميزة التي يعتمدها للتمايز عن بقية الأجناس ومنها تزييف الواقع لتأصيل المتخيل الفيلمي ونعني هنا الجنس الروائي الذي لا يحقق ذاته إلا بتمييز وقائعه عن الواقع وليس بالسعي إلى محاكاته والاستعارة منه كما يحصل في الكثير من أفلامنا بما فيها التي اشتغلت على الوقائع الحارقة كالعنف الذكوري، والتهميش والاعتقال السياسي والتاريخ الوطني إلخ. فالذي أربك التخييل وجماليات التعبير في مجموعة من الأفلام هو عدم وعيها لهذا التمايز بين الواقع والإبداع والذي بدونه ينتفي معنى الممارسة السينمائية.
أما الثاني فهو خيانة حقيقة التاريخ حيث  تدفع السينما بصيغتها التسجيلية  أو الروائية لتضخيم اللبس بصدد وقائع ما كحال الاعتقال السياسي نفسه، والنضال الطلابي، وهجرة اليهود إلخ. لقد ترجمت مجموعة من الأعمال رؤية مقلوبة للتاريخ وحقيقة لغياب المعرفة بهذا التاريخ أو رغبة في خدمة الالتباسات التي يحتاج إليها التاريخ الرسمي . فما حصل لمجموعة من الأفلام هو أنها أرادت الإسهام في قراءة التاريخ أو توثيقه ومن ذلك "زمن الرفاق" و"أماكننا الممنوعة" و" فين ماشي يا موشي" وهذا جد مهم إلا أن قراءتنا تحققت من موقع النظرة المهيمنة والسائدة وهذا ما يخدم تاريخ الغالبين ويغمم أكثر تاريخ المغلوبين.
ج- تغميم خطاب السينما:
لأن الإبداع السينمائي لا يمثل السينما المغربية لوحده، ولأن الحديث عن هذا الفن يعد حقلا موازيا للإبداع ومرتبطا بهي همنا أن نقرأ فيه هزيمة السينما واغترابها كذلك. وما قلناه عن تطور الإبداع السينمائي بموازاة مع تطور الوعي الاجتماعي نؤكده بصدد الكتابة عن السينما والحديث عنها، حيث أن هذا الحقل عرف صيرورة منها التبلور الجنيني لهذا الخطاب ثم تأصيل مضمونه باعتماد الأطروحات الإيديولوجية والسوسيولوجية وبعد ذلك أرضيته الثقافية والعلمية عبر التأسيس النظري والمنهجي وأساسا من خلال الانفتاح الواسع على المنهجيات الحديثة وآلياتها. لكن رغم ذلك ستنزلق الكتابة عن السينما نحو واقع الانهزام حيث أصبحت ترفض القراءات التي تريد للكتابة و الإبداع أن يتعرفا من داخل العلاقات الاجتماعية وفي علاقة سيرورة الإنتاج والاستهلاك وانطلاقا من شرط القناعة بالوظيفة الاجتماعية للفن والكتابة. المسألة الأخرى المؤكدة لتغميم خطاب السينما هو انهزامه في انهزام الواقع حيث لا قيمة لما يكتب ولا أثر بسبب شروط موضوعية جعلت القراءة عامة وقراءة الكتابة عن السينما آخر الهموم في المجتمع المغربي ثم هناك الاعتماد على التضحية الفردية المرتبطين بهذا الحقل لخلق تراكم يعامل بكثير من الإهمال سواء من طرف المؤسسة الرسمية أو من طرف المخرجين والأخطر هو استعمال عملية الكتابة عن السينما عبر ربطها بمسألة الانتفاع الشخصي وتحقيق بعض الامتيازات المادية أو المعنوية وهذا لا يغمم الكتابة عن السينما بل يهزمها ويدعم انهزام السينما لتصير فن الواقع المهزوم بامتياز.
 
                                                    
 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire